19 سبتمبر 2024 | 16 ربيع الأول 1446
A+ A- A
الاوقاف الكويت

د. عبد الرحيم آل محمود: التراحم بين الناس يؤلف القلوب ويحمي المجتمع من آثار احتدام الخلاف

03 ديسمبر 2018

إن خُلُق الرحمة هو خلق جليل من أخلاق هذا الدين القيّم، ينبعث من شعور المرء بما يقاسيه غيره من هموم وآلام، فيحمله ذلك على الوقوف إلى جانبه، وإسداء المعروف إليه، وهو خُلق من أخلاق الأنبياء والمرسلين، وسمة من سمات عباد الله الصالحين. 
   حول خُلق الرحمة تحدث فضيلة الدكتور عبد الرحيم محمود آل محمود، الداعية والمحاضر، مؤكدا أن الرحمة في مبتدأ الأمر ومنتهاه هي صفة لله رب العالمين، خص بها نفسه سبحانه، ووصف بها عباده المتقين، فرحمته جل وعلا شاملة عامة، تشمل المؤمن والكافر، البر والفاجر، كما أنها تشمل كافة المخلوقات، وما من عاقل يستغني عن رحمة الله بأي حال من الأحوال، لأنه لو انقطعت عنه الرحمة، لضل في هذه الحياة، ولظهرت في نفسه أمارات القساوة وغلظة القلب.
   والتراحم بين الخلق يعني التآزر والتعاطف والإحسان إلى الآخر، ويعني بذل الخير والمعروف لمن هو في حاجة إليه، فما من رابطة من الروابط الإنسانية أو الاجتماعية إلا وأساسها وقوام أمرها الرحمة والتراحم، فلو أن الإنسان تعامل مع الآخر بخلق الرحمة لتغيرت أحواله، ولانتهت معظم مشاكل المجتمع.
   ولقد أودع الله تبارك وتعالى هذه الرحمة في أنبيائه ومرسليه، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، كما اختص بها نبيه المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام حين قال عنه:  {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159]، هذه الرحمة التي كان رسول الله يستقطب بها القلوب، فكل من رآه أو تعامل معه وجد منه كل الرحمة والبشاشة ولين العبارة، والمواقف الدالة على ذلك في السنة المطهرة أكثر من أن تحصى، ولقد لازَمته هذه الأخلاق العالية في أحلك الظروف، وأصعب الأوقات؛ حيث غلبه الرفق والرحمة حتى مع أعدائه، يتحمل أذاهم، ويرجو صلاحهم، وما كان دعاؤه إلا قوله: (اللهم اهدِ قومي؛ فإنهم لا يعلمون)، هكذا كان النبي مثالا للرحمة، ليس فقط تجاه الناس، بل تعدى ذلك إلى الحيوان والجمادات، فكان يقول صلى الله عليه وسلم: (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) [رواه الترمذي].

   غير أننا اليوم - مع الأسف - نجد الكثير من الآباء والأمهات يقسون على أبنائهم، ويفرغون فيهم طاقة غضبهم، وقد يصل الأمر إلى ضربهم ضربا مبرحا، مع أن الطفل أكثر ما يحتاج إلى الرحمة والتودد والمحبة الصافية في ريعان الصبا، علاوة على أن التربية السليمة أصلا تحتاج إلى اللين والرفق قبل الحزم والشدة، وإلا قد يتحول الأبناء بمرور الزمن إلى نفس الحال من القسوة والغلظة مع الوالدين عند المشيب، من هنا لابد أن تكون الرحمة أساس التعامل مع الصغار حتى يكون لديهم نوع من الإشباع والاستقرار النفسي، حتى إذا شبوا وانخرطوا في معترك الحياة، حينها ستظهر أثار تلك التربية حين يتعاملون مع الناس وفق المكارم والأخلاقيات التي نشأوا عليها.

   من ناحية أخرى يرى فضيلة الشيخ أن الداعي إلى الله ينبغي أن يتحلى بقدر ما يستطيع بالصبر والرفق والرحمة، ويحرص أن يُظهر يذلك في تعاملاته مع الآخرين، في ابتسامته، في كلامه، في نصحه، حتى عند الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا يجوز أن يكون الداعي إلى الخير أسلوبه عنيفا ولا مُعنِّفا، لأن هذه الغلظة منفرة ولا يمكن أن تكسبه محبة القلوب، بل قد تكون آثارها عكسية؛ إذ ربما شذَّ المخطئ بسبب هذا الأسلوب وزاد في غِيّه وعصيانه بسبب افتقار الداعية إلى الرحمة في توجيهه للناس.

   من أجل هذا نحن اليوم بحاجة إلى أن نعود إلى التراحم، ونؤصل خلق الرحمة بيننا، حتى نؤلف القلوب، وحتى لا يحتدم الخلاف بين الناس ليصل إلى مرحلة الصراع وربما الاقتتال على ذاك النحو الذي نراه في بعض البلدان، فلو أن الرحمة انتفت من القلوب لولدت أطوارا من الاعتداءات والسلوكيات العنيفة، وصورا من الانحرافات التي لا تمثل الإسلام، ولا تمت لأخلاق النبي بأية صلة، وليعلم الجميع أن النجاة في الإحسان والتراحم، والهلكة في الشقاق والظلم والاعتداء.

القائمة البريدية

انضم للقائمة البريدية للموقع ليصلك كل جديد

جميع الحقوق محفوظه لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - دولة الكويت